منذ ما يقرب من أسبوعين، دخل مجلس النواب الأميركي في حالة من الشلل التام عقب إقالة رئيسه (أو المتحدث باسمه) «كيفن مَكارثي» في 3 أكتوبر الجاري، في سابقة هي الأولى في التاريخ الأميركي. وبالتوازي مع ذلك، ولج الحزب «الجمهوري» في حالة من الانقسام بين المعتدلين والمحافظين واليمينيين المتشددين، حالت دون الاتفاق على خليفةٍ لـ «مكارثي».

وأخيراً، اختار المؤتمر «الجمهوري» عضو الكونجرس عن ولاية أوهايو اليميني المتشدد، «جيم جوردان»، مرشحاً لمنصب رئيس مجلس النواب، بعد انسحاب زعيم الأغلبية، ستيف سكاليز، من السباق لتيقنه من عدم القدرة على تأمين الأصوات اللازمة لفوزه بالمنصب في قاعة المجلس، وهي نحو 217 صوتاً.

وبعد ترشيح «جوردان»، ثارت التساؤلات عن حظوظه الانتخابية أولاً، وعن تأثير انتخابه - إن حدث - على التحقيقات التي أطلقها رئيس المجلس المُقال بشأن إمكانية عزل الرئيس جو بايدن ثانيًا، وأخيراً عن تأثير ذلك أيضاً على الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد نحو عام من الآن.

بادئ ذي بدء، فإن التقديرات الأولية لحظوظ «جوردان» الانتخابية ليست متفائلة؛ فبُعَيْد تأمينه ترشيح الحزب «الجمهوري»، عقد نواب الحزب تصويتاً داخلياً لاختبار مدى إمكانية فوز «جوردان» بمنصب رئيس مجلس النواب. وكانت النتيجة محبطة؛ حيث لم يتمكن الأخير سوى من تأمين أصوات 152 عضواً، وهذا يعني أنه لا يزال في حاجة إلى 55 صوتاً لتحقيق الفوز. إضافة إلى أن عدداً من مؤيدي زعيم الأغلبية «سكاليز» تعهدوا بعدم التصويت لـ «جوردان».

بيد أنّ معظم الظروف تدفع إلى إنجاح رهان جوردان الانتخابي. فحالة الشلل التي أصابت مجلس النواب، المتحكم في المحفظة أو سلطة الميزانية، انعكست على السياسة الأميركية. ومن ثم، فإن الخروج من هذه الحالة بات أولوية ليس فقط بالنسبة لـ«الجمهوريين»، بل ولـ«الديمقراطيين» أيضًا. وفي ضوء عدم وجود بدائل واقعية لانتخاب المرشح «الجمهوري»؛ كعودة مكارثي، أو إعادة ترشيح «سكاليز»، أو رئاسة مزدوجة (جوردان-سكاليز)، تتعزز فرص «جوردان» الانتخابية. كما أن موقف «جوردان» بعد خسارته الأولى، بفارقٍ ضئيلٍ أمام «سكاليز»، يُحسب له، وقد يدفع الأخير لإقناع مؤيديه بالتصويت لجوردان.

يُذكر أن «جوردان» بعد خسارته أعلن دعمه لـ «سكاليز» داعياً سائر زملائه إلى تأييده. وأخيراً، فإن حاجة الإدارة الأميركية، بل وأعضاء الكونجرس أنفسهم، إلى تمرير قوانين لدعم إسرائيل (وأوكرانيا) في المجلس تدفع إلى انتخاب جوردان. وعن تأثير انتخابه - إن حدث - على التحقيقات التي أطلقها رئيس المجلس المُقال بشأن إمكانية عزل الرئيس جو بايدن، فسوف تستمر هذه التحقيقات ولا سيما أنه كان من عَرَّابيها؛ لكونه رئيساً للجنة القضائية، وحليفاً وثيقاً لأعضاء الجناح اليميني المتشدد في الحزب، ومن ضمنهم «مكارثي» نفسه.

وإن كان يُتوقع أن تتباطأ وتيرة هذه التحقيقات، ريثما يتم الانتهاء من إنجاز الأعمال المؤجلة على أجندة المجلس، وهي كثيرة.

وأخيراً، يُنظر إلى انتخاب جوردان المحتمل لرئاسة مجلس النواب على أنه سوف يُعزز حظوظ الرئيس السابق دونالد ترامب للفوز ببطاقة ترشح الحزب «الجمهوري» للانتخابات الرئاسية المقبلة؛ لكون الأول من أكبر مؤيدي ترامب وداعميه، وهو المؤسس المشارك لـ «تكتل الحرية في مجلس النواب» اليميني الموالي للرئيس السابق.

*باحث رئيسي - رئيس قطاع تريندز غلوبال- مركز تريندز للبحوث والاستشارات